جديد التدوينات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مقالات حصرية

غـفســاي تبكي من أهلها


 كاتب من عالم أخر 

تعيش غفساي هذه الأيام على وقع اعتقالات ومداهمات بالجملة تقوم بها قوات الدرك الملكي بالمدينة لأصحاب تجار الخمور التقليدية " الما حيا" ويأتي هذا التحرك الأمني بعد شهور من الوضع المتأزم الذي وصلت إليه المدينة من انتشار للفوضى العارمة وتفشي لحالات الاعتداء على المواطنين وعمليات السرقة والسطو على الناس .

وللأسف الشديد رغم كل ذلك فإن الأمن لم يتحرك في حينه لوقف هذا الوضع المأساوي  ورغم كون أخبار عدة تناسلت عن وجود شبكة كبيرة ومنظمة تعمل على عصر "الماحيا" في إحدى الدواوير المجاورة للمدينة ويتم تصديرها لعناصر أخرى مهمتها التوزيع والبيع ، ورغم  تواتر  الحديث في الأوساط التعليمية خاصة في الثانوية التأهيلية عن وجود شبكة مهمتها بيع الخمر لتلاميذ المؤسسة وهو بالفعل ما تم تأكيده من خلال عملية التوقيفات في حق تلاميذ دخلوا إلى حجرات المدرسة و إلى أقسام الداخلي في حالات سكر تام .
 رغم كل هذا فإن الأمن " الدرك الملكي " لم يتحرك لإيقاف هذا الوضع- لأسباب نجهلها قد تكون راجعت لقلة عدد عناصر الدرك الملكي  ومهامهم الجغرافي الواسع ، وغياب الأمن الوطني  عن المدينة لأن ضبط الأمن في المدن يعود  بالخصوص للأمن الوطني- إلا أن وفاة تلميذ في الثانوية التأهيلية وبسبب تناوله للخمر حسب ما يردده عدد كبير من المواطنين حرك الأجهزة الأمنية في المدينة والإقليم وأيقظها من سباتها في  حسم هذا الملف .
في نفس السياق وحسب مصدر موثوق أن الشبكة التي كانت تعمل على تصنيع "الماحيا" استوردت أكثر من 20 طن من "التين الجاف " لعصره وهو ما استبعد انتفاء أثر الجريمة والتلبس بها في حالة المداهمة الأمنية للشبكة ، وهو ما يوحي بأن الدافع وراء تصنيع الخمر ليس  الفقر والحاجة وإنما الرغبة في الاغتناء الفاحش ولو بأساليب شنيعة ومخالفة للقانون والأخلاق.
تداعيات انتشار الخمر في المدينة لم تقتصر على ترويع الساكنة ووفاة التلميذ ، وإنما أثارها المدمرة انتقلت إلى أسر وحولتها إلى جحيم لا يطاق تكابد فيه النساء والأطفال جنون وتفهات أزواج وآباء أوقعتهم نزواتهم وضعفهم الشخصي في براثن الإدمان ومعاقرة الخمور.
ومن القصص المؤلمة وهي نقطة في بحر حكتها لي سيدة وهي تطلب التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من طفل تحول إلى كومة ترتعش من شدة الخوف وهولا زال في سنه السادس، تحكي لي وهي تنتظر حلا عسى أن يعيد للطفل طفولته ، أن أب يعاقر الخمر حتى صاحبه وسكن  عروقه وحوله من إنسان إلى وحش انتزعت الرحمة والعاطفة من قلبه يظل يومه نائما وفي الليل متسكعا في الشوارع أو مستظل بظل شجرة مع رفقة سوء يعاقرون الخمر حتى الصباح ، وبدل أن يعود أدراجه إلى بيته وهو يشعر بالحسرة والندم خجلا من زوجته تركها لوحدها تكابد مع الحياة وتجاهد من أجل لقمة عيش ، يطرق الباب في السادسة ويوقظ ابنه الصغير ذو السادسة من عمر فيشبعه رفسا وضربا ّ بحبل كهربائي " على رأسه دون ذنب فعله سوى أن القدر اختار أن يكون ابنا لأب انعدمت الرحمة من قلبه وغابت منه الأبوية ولذاتها .
وفي ظل مجتمع لا يرحم كباره ما بلك بصغاره تحولت حياة هذا الطفل إلى جحيم في البيت والشارع ومما تحكيه هذه السيدة أن الطفل أصبح في حالة ارتعاش وخوف دائم ، وأن أطفال حومته يستفزونه بين الحين والأخرى ويطلبون منه تقبيل أيديهم وإلا وشو به إلى أبيه ، وما إن يسمع ذلك حتى تسكنه صرخات و يبدأ في الارتعاش والبكاء طالبا العفو مع تنفيذ الطلبات .

طلبت مني  حلا لهذا الطفل و إن كلف الأمر  سجن هذا الأب الذي لا يرجى منه الخير ، وأن سجنه لن يغير من معادلة البيت شيء فالزوجة هي التي تتكفل بالبيت ، لتستدرك أخيرا أو التفكير في حل أخر إن كان سجن الأب سيؤثر مستقبلا في نفسية ابنه ، وأنا أستمع لها والحسرة تعصر قلبي استوقفني استدراكها الأخير وخوفها على مستقبل الطفل النفسي وحركتها عاطفة الأمومة رغم أنه بعيد عنها فقلت في نفسي ألا يكفي هذا الأب هذه الصفعة ليعود إلى إنسانيته ويتصالح مع نفسه قبل أسرته.
غفـــساي من يعرفها يستغرب لحالها ويندب حضها ، فهي من المدن وإن كانت صغيرة فهي عريقة ، وإن كانت نائية فالكائنات الجمعوية والمكونات الحزبية سكنتها مبكرا ، وجمعيات حقوق الإنسان فيها انتعشت ونمى رصيدها وسماسرة التنمية البشرية فيها أقاموا شعائرهم وبنو كنائسهم وجلبوا لها مشارع من كل فج عميق ، لكن هؤلاء وهؤلاء كان سعيهم لم يتجاوز حناجرهم وإيديولوجيتهم وجيوبهم أما مثل هؤلاء الأطفال فبضاعتهم  مجزاة كاسدة لا تسمن ولا تغني .

 وفي انتظار يوم تنعم فيه المدينة بقناديل النور تشعل الشمعة لتضيء طريق الناس ، وتبعث الأمل في النفوس ، وتحرك الضمائر وتحي القيم وتفني كل أسباب الشرور، و تعيد للمدينة رونقها وأبهتها وتحي فيها قيم التضامن والتكافل ، ننتظر من المكونات السياسية والجمعوية والتربوية والرسمية التحرك العاجل لإيقاف هذا النزيف القيمي والأخلاقي وهذا الانكسار المجتمعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عسى أن يغفر لكم التاريخ على هذه المأساة .

 ربنا لا تؤاخذنا فيما فعل السفهاء منا



ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق

نرحب بمشاركاتكم وملاحظاتكم على غفساي الغد

Ads 468x60px

مشاركة مميزة

غفساي والحراك الشبابي

  تعيش مدينة غفساي في الأسابع الأخيرة على وقع  احتجاجات متتالية ينظمها شباب المدينة ويؤطرها مجموعة من المعطلين ومناضلي  المدينة ...

المشاركات الشائعة